الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
ويجوز أن يكون الصداق معجلا, ومؤجلا وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا لأنه عوض في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ثم إن أطلق ذكره اقتضى الحلول, كما لو أطلق ذكر الثمن وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله وإن أجله ولم يذكر أجله فقال القاضي: المهر صحيح ومحله الفرقة فإن أحمد قال: إذا تزوج على العاجل والآجل, لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان, وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد: يبطل الأجل, ويكون حالا وقال إياس بن معاوية وقتادة: لا يحل حتى يطلق أو يخرج من مصرها, أو يتزوج عليها وعن مكحول والأوزاعي والعنبري: يحل إلى سنة بعد دخوله بها واختار أبو الخطاب أن المهر فاسد, ولها مهر المثل وهو قول الشافعي لأنه عوض مجهول المحل ففسد كالثمن في البيع ووجه القول الأول أن المطلق يحمل على العرف, والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما إن جعل للآجل مدة مجهولة, كقدوم زيد ومجيء المطر ونحوه لم يصح لأنه مجهول, وإنما صح المطلق لأن أجله الفرقة بحكم العادة وها هنا صرفه عن العادة بذكر الأجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية, ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل. قال: وإذا تزوجها على محرم وهما مسلمان ثبت النكاح, وكان لها مهر المثل أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول في هذه المسألة ثلاث مسائل: المسألة الأولى أنه إذا سمى في النكاح صداقا محرما كالخمر والخنزير, فالتسمية فاسدة والنكاح صحيح نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري والأوزاعي, والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي عبيد أن النكاح فاسد واختاره أبو بكر عبد العزيز قال لأن أحمد قال في رواية المروذي: إذا تزوج على مال غير طيب, فكرهه فقلت: ترى استقبال النكاح؟ فأعجبه وحكي عن مالك أنه إن كان بعد الدخول ثبت النكاح وإن كان قبله, فسخ واحتج من أفسده بأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما فأشبه نكاح الشغار ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب أن يكون صحيحا وإن كان عوضه فاسدا, كما لو كان مغصوبا أو مجهولا ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع, ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحا فكذلك إذا فسد, وكلام أحمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه اتفاقا وما حكي عن مالك لا يصح فإن ما كان فاسدا قبل الدخول, فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه, أو العجز عن تسليمه فإن النكاح ثابت لا نعلم فيه خلافا وقول الخرقي: " وهما مسلمان " احتراز من الكافرين إذا عقد النكاح بمحرم, فإن هذه قد مر تفصيلها المسألة الثانية: أنه يجب مهر المثل وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح فيجب رد قيمته وهو مهر المثل, كمن اشترى شيئا بثمن فاسد فقبض المبيع وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته فإن دخل بها استقر مهر المثل, في قولهم جميعا وإن مات أحدهما فكذلك لأن الموت يقوم مقام الدخول في تكميل الصداق وتقريره, وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى لا يستقر بالموت إلا أن يكون قد فرضه لها وإن طلق قبل الدخول, فلها نصف مهر المثل وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي: لها المتعة لأنه لو لم يسم لها صداقا كان لها المتعة فكذلك إذا سمى لها تسمية فاسدة لأن هذه التسمية كعدمها وذكر القاضي في الجامع أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا, وبين من سمى لها محرما كالخمر أو مجهولا كالثوب وفي الجميع روايتان إحداهما لها المتعة إذا طلقها قبل الدخول, لأن ارتفاع العقد يوجب رفع ما أوجبه من العوض كالبيع لكن تركناه في نصف المسمى لتراضيهما عليه فكان ما تراضيا عليه أولى ففي مهر المثل يبقى على الأصل في أنه يرتفع وتجب المتعة والثانية, أن لها نصف مهر المثل لأن ما أوجبه عقد النكاح يتنصف بالطلاق قبل الدخول ومهر المثل قد أوجبه العقد فيتنصف به كالمسمى والخرقي فرق بينهما, فأوجب في التسمية الفاسدة نصف مهر المثل وفي المفوضة المتعة وهو مذهب الشافعي لأن المفوضة رضيت بلا عوض وعاد إليها بضعها سليما, وإيجاب نصف المهر لها لا وجه له لأن الله تعالى أوجب لها المتعة ففي إيجاب نصف المهر جمع بينهما أو إسقاط للمتعة المنصوص عليها وكلاهما فاسد وأما التي اشترطت لنفسها مهرا, فلم ترض إلا بعوض ولم يحصل لها العوض الذي اشترطته فوجب لها بدل ما فات عليها من العوض, وهو مهر المثل أو نصفه إن كان قبل الدخول ولأن الأصل وجوب مهر المثل, لأنه وجب بالعقد بدليل أنه يستقر بالدخول والموت وإنما خولف هذا في المفوضة بالنص الوارد فيها, ففيما عداها يبقى على الأصل. أنه إذا سمى لها تسمية فاسدة وجب مهر المثل بالغا ما بلغ وبه قال الشافعي, وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه: يجب الأقل من المسمى أو مهر المثل لأن البضع لا يقوم إلا بالعقد فإذا رضيت بأقل من مهر مثلها, لم يقوم بأكثر مما رضيت به لأنها رضيت بإسقاط الزيادة ولنا أن ما يضمن بالعقد الفاسد اعتبرت قيمته بالغا ما بلغ كالمبيع وما ذكروه فغير مسلم, ثم لا يصح عندهم فإنه لو وطئها وجب مهر المثل ولو لم يكن له قيمة لم يجب فإن قيل: إنما وجب لحق الله تعالى قيل: لو كان كذلك لوجب أقل المهر, ولم يجب مهر المثل. قال وإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها كان ذلك جائزا, فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين ولم يكن على الأب شيء أخذه وجملة الأمر أنه يجوز لأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداق ابنته لنفسه وبهذا قال إسحاق وقد روي عن مسروق, أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين, ثم قال للزوج: جهز امرأتك وروي نحو ذلك عن علي بنالحسين وقال عطاء وطاوس, وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والثوري, وأبو عبيد: يكون كل ذلك للمرأة وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية, لأنه نقص من صداقها لأجل هذا الشرط الفاسد لأن المهر لا يجب إلا للزوجة لأنه عوض بضعها, فيبقى مجهولًا لأننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما نقص منه لأجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد ولنا, قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام فإن شرط ذلك غير الأب من الأولياء كالجد والأخ والعم فالشرط باطل نص عليه أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص, وهو قول من سمينا في أول المسألة وقال الشافعي: يجب مهر المثل وهكذا ذكر القاضي في " المجرد " لأن الشرط إذا بطل احتجنا أن نرد إلى الصداق ما نقصت الزوجة لأجله ولا يعرف قدره, فيصير الكل مجهولا فيفسد وإن أصدقها ألفين على أن تعطي أخاها ألفا فالصداق صحيح لأنه شرط لا يزاد في المهر من أجله, ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها ولنا, أن جميع ما اشترطته عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها, وإذا كان صداقا انتفت الجهالة وهكذا لو كان الأب هو المشترط لكان الجميع صداقا وإنما هو أخذ من مال ابنته لأن له ذلك ويشترط أن لا يكون ذلك مجحفا بمال ابنته, فإن كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها, كما لو اشترطه سائر أوليائها ذكره القاضي في المجرد. فإن شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطي الأب لأنه الذي فرضه لها, فنرجع في نصفه لقوله تعالى: قال وإذا أصدقها عبدا صغيرا فكبر ثم طلقها قبل الدخول, فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد أو تدفع إليه نصفه زائدا إلا أن يكون يصلح صغيرا لما لا يصلح له كبيرا, فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه في هذه المسألة أحكام منها أن المرأة تملك الصداق بالعقد وهذا قول عامة أهل العلم إلا أنه حكي عن مالك أنها لا تملك إلا نصفه وروي عن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر: هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار, وأما الفقهاء اليوم فعلى أنها تملكه وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك) دليل على أن الصداق كله للمرأة لا يبقى للرجل منه شيء ولأنه عقد تملك به العوض بالعقد, فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى أنها لو ارتدت, سقط جميعه وإن كانت قد ملكت نصفه إذا ثبت هذا فإن نماءه وزيادته لها سواء قبضته أو لم تقبضه, متصلا كان أو منفصلا وإن كان مالا زكاتيا فحال عليه الحول فزكاته عليها نص عليه أحمد وإن نقص بعد قبضها له أو تلف, فهو من ضمانها ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها وأما قبل القبض فهو من ضمان الزوج, إن كان مكيلا أو موزونا وإن كان غيرهما فإن منعها منه, ولم يمكنها من قبضه فهو من ضمانه لأنه بمنزلة الغاصب وإن لم يحل بينه وبينها, فهل يكون من ضمانها أو من ضمانه؟ على وجهين بناء على المبيع, وقد ذكرنا حكمه في بابه. أن الصداق يتنصف بالطلاق قبل الدخول لقوله تعالى
|